للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوضحه الوجه التاسع والعشرون: أن كمال ملكه التام اقتضى كمال تصرفه فيه بأنواع التصرف، ولهذا جعل الله (١) سبحانه الدور ثلاثة: دارًا أخلصها للنعيم واللذة والبهجة والسرور، ودارًا أخلصها للألم والنّصَب وأنواع البلاء والشرور، ودارًا خلط خيرها بشرها، ومزج نعيمها بشقائها، ومزج لذتها بألمها يلتقيان ويتطالبان، وجعل عمارة تينك الدارين من هذه الدار، وأجرى من أحكامه على خلقه في الدور الثلاثة بمقتضى ربوبيته وإلهيته، وعلمه وعزته، وحكمته وعدله ورحمته، فلو أسكنهم كلهم دار البقاء من حين أوجدهم لتعطلت أحكام هذه الصفات (٢)، ولم يترتب عليها آثارها.

يوضحه الوجه الثلاثون: أنّ يوم المعاد الأكبر يومُ مَظْهَرِ الأسماء والصفات وأحكامها، ولهذا يقول سبحانه {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ} [غافر: ١٦]، وقال: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: ٢٦]، وقال: {يَوْمُ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: ١٩].

حتى إن الله سبحانه لَيتعرّف إلى عباده ذلك اليوم بأسماء وصفات لم يعرفوها في هذه الدار، فهو يوم ظهور المملكة العظمى، والأسماء الحسنى، والصفات العُلى.

فتأمّل ما أخبر به الله ورسوله من شأن ذلك اليوم وأحكامه، وظهور عزّته تعالى وعظمته وعدله وفضله ورحمته، وآثار صفاته المقدسة التي لو خُلِقوا في دار البقاء لتعطّلت، وكماله سبحانه ينفي ذلك.


(١) لفظ الجلالة من «د».
(٢) «م»: «لتعطلت إذًا قيام هذه الصفات».