للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الكلبي: "مالت أبصارهم إلا من النظر إليهم" (١).

وقال الفراء: "زاغت عن كل شيء، فلم تلتفت إلا إلى عدوها متحيّرة تنظر إليه" (٢).

قلت: القلب إذا امتلأ رعبًا شغله ذلك عن ملاحظة ما سوى المَخُوف، فزاغ البصر عن الوقوع عليه وهو مقابِلُه.

فصل

وأما الخذلان، فقال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران: ١٦٠]، وأصل الخذلان: الترك والتخلية، ويقال للبقرة والشاة إذا تخلّفت مع ولدها في المرعى، وتركت صواحباتها: خَذُول.

قال محمد بن إسحاق في هذه الآية: "إن ينصرك الله فلا غالب لك من الناس، ولن يضرك خذلان من خذلك، وإن يخذلك فلن ينصرك الناس، أي: لا تترك أمري للناس، وارفضِ الناسَ لأمري" (٣).

فالخذلان أن يخلّي الله تعالى بين العبد وبين نفسه ويكله إليها، والتوفيق ضده: أن لا يدعه ونفسه ولا يكله إليها، بل يصنع له ويلطف به، ويعينه ويدفع عنه، ويكلؤه كلاءة الوالد الشفيق للولد العاجز عن نفسه، فمن خلّى بينه وبين نفسه، فقد هلك كل الهلاك.


(١) نسبه إليه في "البسيط" (١٨/ ١٨٦).
(٢) "معاني القرآن" (٢/ ٣٣٦).
(٣) أسنده ابن المنذر في "التفسير" (١١٢٣)، وانظر: "سيرة ابن هشام" (٣/ ١٥٩).