للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجعولة لله فهي مخلوقة له بجملتها: صورتها ومادتها وهيئاتها.

ونظير هذا قوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعَنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} [النحل: ٨٠]، فأخبر سبحانه أن البيوت المصنوعة المستقرة والمنتقلة مجعولة له، وهي إنما صارت بيوتًا بالصنعة الآدمية.

ونظيره قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [يس: ٤١ - ٤٢]، فأخبر سبحانه أنه خالق الفلك المصنوع للعباد، وأبعد مَن قال: إنّ المراد بمثله هو الإبل؛ فإنه إخراج للمماثل حقيقة، واعتبار لما هو بعيد عن المماثلة.

ونظير ذلك قوله تعالى حكاية عن خليله أنه قال لقومه: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٥ - ٩٦]، فإن كانت "ما" مصدرية ــ كما قدره بعضهم ــ فالاستدلال ظاهر وليس بقوي؛ إذ لا تناسب بين إنكاره عليهم عبادة ما ينحتونه بأيديهم وبين إخبارهم بأن الله خلق أعمالهم من عبادة تلك الآلهة ونحتها وغير ذلك، فالأولى أن تكون "ما" موصولة، أي: والله خلقكم وخلق آلهتكم التي عملتموها بأيديكم، فهي مخلوقة له، لا آلهة شركاء معه، فأخبر أنه خلق معمولهم وقد حَلّه عملهم وصنعهم، ولا يقال: المراد مادته؛ فإن مادته غير معمولة لهم، وإنما يصير معمولًا بعد عملهم.

فصل

وقد أخبر سبحانه أنه هو الذي جعل أئمة الخير يدعون إلى الهدى،