للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الحسن: "لا تكرهوا النقمات الواقعة، والبلايا الحادثة، فلرُبَّ أمر تكرهه فيه نجاتك، ولرُبَّ أمر تؤثره فيه عطبك" (١).

فصل

ومما يناسب هذا قوله تعالى: {لَّقَد صَّدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: ٢٧]، بيَّن سبحانه وتعالى حكمة ما كرهوه عام الحديبية من صَدِّ المشركين لهم عن البيت، حتى رجعوا ولم يعتمروا، وبيَّن لهم أن مطلوبهم يحصل بعد هذا، فحصل في العام القابل.

وقال سبحانه: {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} وهو صلح الحديبية، وهو أول الفتح المذكور في قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: ١]، فإنه (٢) بسببه حصل من مصالح الدين والدنيا، والنصر، وظهور الإسلام، وبطلان الكفر، ما لم يكونوا يرجونه قبل ذلك، ودخل الناس بعضهم في بعض، وتكلم المسلمون بكلمة الإسلام وبراهينه وأدلته جهرة لا يخافون، ودخل في ذلك الوقت في الإسلام قريب ممن دخل فيه من أوله إلى ذلك الوقت. وظهر لكل أحد بَغْيُ المشركين وعدوانهم وعنادهم، وعَلِمَ الخاص والعام أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أولى بالحق والهدى، وأن أعداءهم ليس بأيديهم إلا العدوان والعناد، فإن البيت الحرام لم يُصَدَّ عنه حاجٌّ ولا


(١) أورده الثعلبي في "الكشف والبيان" (٣/ ١٣٨).
(٢) "د" "م": "فإن".