قال السني: عدم إرادة الله سبحانه للعبد ومشيئته أن يفعل لا يوجب كون الفعل غير مقدور له؛ فإنه سبحانه لا يريد من نفسه أن يعينه عليه مع كونه أقدره عليه، ولا يلزم من إقداره عليه وقوعه حتى توجد منه إعانة أخرى، فانتفاء تلك الإعانة لا يُخرِج الفعل عن كونه مقدورًا للعبد؛ فإنه قد يكون قادرًا على الفعل لكن يتركه كسلًا وتهاونًا وإيثارًا لفعل ضده، فلا يصرف الله عنه تلك الموانع، ولا يوجب عدم صرفها كونه عاجزًا عن الفعل؛ فإن الله سبحانه يعلم أنه قادر عليه بالقدرة التي أقدره بها، ويعلم أنه لا يريده مع كونه قادرًا عليه، فهو سبحانه يريد له ومنه الفعل، ولا يريد من نفسه إعانته وتوفيقه، وقطع هذه الإعانة والتوفيق لا يُخرِج الفعل عن كونه مقدورًا له، وإن جعلَتْه غير مراد.
وسر المسألة: الفرق بين تعلق الإرادة بفعل العبد، وتعلقها بفعله هو سبحانه بعبده، فمن لم يحط معرفة بهذا الفرق لم ينكشف له حجاب المسألة.
قال الجبري: إما أن تقول: إن الله علم أن العبد لا يفعل، أو لم يعلم ذلك، والثاني محال، وإذا كان قد علم أنه لا يفعله صار الفعل ممتنعًا قطعًا؛ إذ لو فعله لانقلب العلم القديم جهلًا.
قال السني: هذه حجة باطلة من وجوه:
أحدها: أن هذا بعينه يقال فيما علم الله أنه لا يفعله وهو مقدور له؛ فإنه لا يقع البتّة مع كونه مقدورًا له، فما كان جوابك عن ذلك فهو جوابنا لك.
وثانيها: أن الله سبحانه يعلم الأمور على ما هي عليه، فهو يعلم أنه لا يفعله لعدم إرادته له، لا لعدم قدرته عليه.