للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الجبري: دعنا من هذا كله، أليس في القول بتأثير قدرة العبد في مقدوره مع الاعتراف بأن الله سبحانه قادر على مقدور العبد= إلزام وقوع المقدور الواحد بين القادرَيْن، والدليل ينفيه.

قال السني: ما تعني بقولك: "يلزم وقوع مقدور بين قادرَيْن"؟

أتعني به قادرَيْن مستقلَّيْن متكافئيْن؟ أم تعني به قادرَيْن تكون قدرة أحدهما مستفادة من الآخر؟ فإن عنيتَ الأول مُنِعت الملازمةُ، وإن عنيتَ الثاني مُنِع انتفاءُ اللازم.

ومثبتو الكَسْب يجيبون عن هذا بأنه لا يمتنع وقوع مقدور بين قادرَيْن لقدرة أحدهما تأثير في إيجاده، ولقدرة الآخر تأثير في صفته، كما يقوله القاضي أبو بكر ومن تبعه، والأشعري يجيب عنه على أصله، بأن الفعل وقع بين قادرَيْن لا تأثير لقدرة أحدهما في المقدور، بل تَعلُّق قدرته بمقدورها كتَعلُّق العلم بمعلومه، وإنما الممتنع عنده وقوع مقدور بين قادرَيْن مؤثِّرَيْن، وهذا الاعتذار لا يُخرِج عن الجَبْر، وإن زُخْرِفت له العبارات.

وأجاب عنه الحسينية (١) بما حكيناه: أنه لا يمتنع مقدور بين قادرَيْن على سبيل البدل، ويمتنع على سبيل الجمع، وقد تقدم فساده.

وأجاب عنه المشايخية: بأنه مقدور للعبد، وليس مقدورًا للربِّ. وهذا أبطل الأجوبة وأفسدها، والقائلون به يقولون: إن الله ــ سبحانه عن أقاويلهم ــ يريد الشيء فلا يكون، ويكون الشيء بغير إرادته ومشيئته، فيريد ما لا يكون، ويكون ما لا يريد، وكفى بهذا بطلانًا وفسادًا.


(١) في حاشية "م" بقلم الناسخ: "يعني به أبو [كذا] الحسين وأصحابه".