للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أهل الحكمة: بل هي حجة داحضة باطلة، والجواب عنها من وجوه:

الجواب الأول: أن نقول: لا يخلو إما أن يمكن أن يكون الفعل قديم العين أو قديم النوع، أو لا يمكن واحد منهما، فإن أمكن أن يكون قديم العين أو النوع أمكن في الحكمة التي يكون الفعل لأجلها أن تكون كذلك، وإن لم يمكن أن يكون الفعل قديم العين ولا النوع، فيقال: إذا كان فعله حادث العين أو النوع كانت الحكمة كذلك، فالحكمة يُحذى بها حذو الفعل، فما جاز عليه جاز عليها، وما امتنع عليه امتنع عليها.

الجواب الثاني: أنّ من قال: إنه خالق مكوِّن في الأزل لِمَا لم يكن بعد، قال: قولي هذا كقول من قال: هو مريد في الأزل لِمَا لم يكن بعد، فقولي (١) بقدم كونه فاعلًا كقول هؤلاء بقدم كونه مريدًا، وعلى هذا فيمكنني أن أقول بقدم الحكمة التي يخلق ويريد لأجلها، ولا يلزم من قدم الحكمة قدم الفعل، كما لم يلزم من قدم الإرادة قدم المراد، وكما لم يلزم من قدم صفة التكوين قدم المكوَّن، فقولي في قدم الحكمة مع حدوث الفعل الذي فُعِل (٢) لأجلها، كقولكم في قدم الإرادة والتكوين سواء، وما لزمني لزمكم مثله، وجوابكم هو جوابي بعينه.

ولا يمتنع ذلك على أصول طائفة من الطوائف، فإن مَن قال مِن الفلاسفة: إن فعله قديم للمفعول المعّين، يقول: إن الحكمة قديمة، ومن قال


(١) «م»: «فقوله».
(٢) «م» «ج»: «الذي جعل»، «د»: «التي فعل»، والمثبت منها أقرب للسياق.