للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّرَب (١)، فألقى الذئب نفسه وراءه فلم يجده، ولم يطق الخروج، فقتله أهل الناحية.

ومن عجيب أمره أن رجلًا كان معه دجاجتان، فاختفى له (٢) وخطف إحداهما وفَرَّ، ثم أعمل فكره في أخذ الأخرى، فتراءى لصاحبها من بعيد، وفي فمه شبيه بالطائر، وأطمعه في استنقاذها بأن تركه وفرّ، فظن الرجل أنها الدجاجة فأسرع نحوها، ويخالفه الثعلب (٣) إلى أختها، فأخذها وذهب (٤).

ومن عجيب أمره أنه أتى إلى جزيرة فيها طير، فأعمل الحيلة كيف يأخذ منها شيئًا، فلم يطق، فذهب وجاء بضِغْث من حشيش وألقاه في مجرى الماء الذي نحو الطير، ففزع الطير منه، فلما عرفت أنه حشيش رجعت إلى أماكنها، فعاد لذلك مرة ثانية، وثالثة، ورابعة، حتى توطنت الطير على ذلك وألفته، فعمد إلى جُرْزَة (٥) أكبر من ذلك فدخل فيها وعبر إلى الطير، فلم يشك الطير أنه من جنس ما قبله فلم تنفر منه، فوثب على طائر منها وعدا به.

ومن عجيب أمر الذئب أنه عرض لإنسان يريد قتله، فرأى معه قوسًا


(١) "السرب": الطريق والقناة والجُحْر، "تاج العروس" (سرب) (٣/ ٤٩ - ٥٠).
(٢) كذا في الأصول: "فاختفى له"، والأشبه بالسياق: "فاختبأ له".
(٣) "ج": "وأسرع يخالفه الثعلب".
(٤) جرت للإمام الشافعي حكاية مماثلة أوردها ياقوت في "معجم الأدباء" (٦/ ٢٤٠٧) من طريق الآبري عن المزني بها، وليست في القدر المطبوع من "مناقب الشافعي" للآبري.
(٥) الجرزة: الحزمة من الحشيش ونحوها، "المخصص" (٣/ ٣٥)، والضِّغْث: قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس.