للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وأما الصدّ فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصَدَّ عَنِ السَّبِيلِ} [غافر: ٣٧]، قرأها أهل الكوفة: {وَصُدَّ} على البناء للمفعول حملًا على (زُيّن)، وقرأ الباقون: {وَصَدَّ} بفتح الصاد، ويحتمل وجهين:

أحدهما: أعرَض، فيكون لازمًا.

والثاني: صَدَّ غيره، فيكون متعديًا.

والقراءتان كالآيتين لا تتناقضان.

وأما الشَدّ على القلب ففي قوله تعالى: {(٨٧) وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِيَضِلُّوا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: ٨٨ - ٨٩]، فهذا الشّد على القلب هو الصدّ والمنع، ولهذا قال ابن عباس: "يريد امنعها" (١)، والمعنى: قسِّها واطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان.

وهذا مطابق لما في التوراة، أن الله سبحانه قال لموسى: "اذهب إلى فرعون فإني سَأقسّي قلبه، فلا يؤمن حتى تظهر آياتي وعجائبي بمصر" (٢).

وهذا الشَّدُّ والتقسية من كمال عدل الربّ تعالى في أعدائه، جَعَله عقوبة لهم على كفرهم وإعراضهم، كعقوبته لهم بالمصائب، ولهذا كان محمودًا


(١) نسبه إليه في "البسيط" (١١/ ٢٩٥).
(٢) انظر: "العهد القديم: سفر الخروج" (الإصحاح ١٠/ ١).