للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعكس للفِطَر (١)، ومناقضة لقضايا العقول؛ فإن مَنْ يفعل لحكمة وغاية مطلوبة يُحمد عليها أكمل ممن يفعل لا لشيء البتّة، كما أن مَنْ يخلق أكمل ممن لا يخلق، ومَنْ يعلم أكمل ممن لا يعلم، ومَنْ يتكلم أكمل ممن لا يتكلم، ومَنْ يقدر ويريد أكمل ممن لا قدرة له ولا إرادة، ومَنْ يسمع ويبصر، ويرضى ويغضب، ويحب ويبغض؛ أكمل ممن لا يتصف بذلك، وهذا مركوز في الفِطَر، مستقر في العقول، فنفي حكمته بمنزلة نفي هذه الأوصاف عنه، وذلك يستلزم وصفه بأضدادها، وهي أنقص النقائص.

ولهذا صرّح كثيرٌ من النفاة كالجويني والرازي بأنه لم يقم على نفي النقائص عن الله دليل عقلي، وإنما مستند النفي السمع والإجماع (٢).

وحينئذ فيقال لهؤلاء: إن لم يكن في إثبات الحكمة نقص لم يجز نفيها، وإن كانت نقصًا فأين في السمع أو في الإجماع نفي هذا النقص؟

وجمهور الأمة يثبت حكمته سبحانه والغايات المحمودة في أفعاله إجمالًا، فليس مع النفاة سمع ولا عقل ولا إجماع، بل السمع والعقل والإجماع والفطرة تشهد ببطلان قولهم، والله الموفق للصواب.

وجماع ذلك أن كمال الربّ تعالى وجلاله وحكمته وعلمه ورحمته وقدرته وإحسانه وحمده ومجده وحقائق أسمائه الحسنى= تمنع كون أفعاله صادرة منه لا لحكمة، ولا لغاية مطلوبة، وجميع أسمائه الحسنى تنفي ذلك، وتشهد ببطلانه، وإنما نبّهنا على بعض طرق القرآن، وإلا فالأدلة التي


(١) «م»: «الفطر».
(٢) انظر: «الشامل» (٧٤)، «الأربعين» (١/ ٢٤٢).