للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما بعد:

فإن القدر بحر محيط لا ساحل له، ولا خروج عنه لأحد من العالمين، والشرع فيه سفينة النجاة، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها فهو من المُغْرَقين، وهو قُدْرَةُ الله الذي هو على كل شيء قدير، وكل مخلوق فمنه ابتدأ وإليه يصير.

والإيمان (١) به قُطْب رحا التوحيد ونظامه، ومبدأ الإيمان وتمامه، فهو أحد أركان الإيمان، وقاعدة أساس الإحسان، والحكمة آخِيَّته (٢) التي يرجع إليها، ويدور في جميع تصاريفه عليها، فالقدر مظهر المُلْك، والحكمة مظهر الحَمْد، والتوحيد متضمن لنهاية الحكمة وكمال التقدير.

فلا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فبالقدر والحكمة ظهر خلقه وشرعه المبين، {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٥٤)} [الأعراف: ٥٤].

فصل

وقد سلك الناس في هذا الباب في كل واد، وأخذوا في كل طريق، وتولّجوا كل مَضِيق، وركبوا كل صعب وذلول، وقصدوا الوصول إلى معرفته من كل سبيل، وتكلمتْ فيه الأئمة (٣) قديمًا وحديثًا، وساروا فيه بطيئًا


(١) بداية "د".
(٢) الآخِيّة ـ بالتشديد والتخفيف ـ: حبل ونحوه يثبت طرفاه في حائط أو أرض كالحلقة، تشد إليه الدابة. "الصحاح" (أخا) (٦/ ٢٢٥٦).
(٣) "د": "الأمم".