للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل (١)

وأما أفعال النائم فلا ريب في وقوع الفعل القليل منه، والكلام المفيد، واختلف الناس هل تلك الأفعال مقدورة له أو مكتسبة أو ضرورية، بعد اتفاقهم على أنها غير داخلة تحت التكليف.

فقالت المعتزلة وبعض الأشعرية: هي مقدورة له، والنوم لا يضاد القدرة، وإن كان يضاد العلم وغيره من الإدراكات.

وذهب أبو إسحاق وغيره إلى أن ذلك الفعل غير مقدور له، وأن النوم يضاد القدرة، كما يضاد العلم.

وذهب القاضي أبو بكر وكثير من الأشعرية إلى أن فعل النائم لا يُقطع بكونه مكتسَبًا ولا بكونه ضروريًا، وكلّ من الأمرين ممكن.

قال أصحاب القدرة: كان النائم قادرًا في يقظته، وقدرته باقية، والنوم لا ينافيها؛ فوجب استصحاب حكمها.

قالوا: وأيضًا فالنائم إذا انتبه فهو على ما كان عليه في نومه، ولم يتجدد أمر وراء زوال النوم، وهو قادر بعد الانتباه، وزوال النوم غير موجِب للاقتدار، ولا وجوده نافيًا للقدرة.

قالوا: وأيضًا قد يوجد من النائم ما لو وُجِد منه في حال اليقظة لكان واقعًا على حسب الداعي والاختيار، والنوم وإن نافى القصد فلا ينافي القدرة.

قال النافون للقدرة: قولكم: "النوم لا ينافي القدرة" دعوى كاذبة؛ فإن


(١) انظر: "غاية المرام" (٢٢١)، "شرح المواقف" (٢/ ١٤٤ - ١٤٨).