للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الجبري: إن انتهت سلسلة المرجِّحات إلى مرجِّح من الله يجب عنده الفعل لزم الجَبْر، وإن انتهت إلى مرجِّح من العبد فذلك المرجِّح ممكن لا محالة، فإن ترجّح بلا مرجِّح انسدّ عليكم باب إثبات الصانع؛ إذ جوّزتم رجحان أحد طرفي الممكن بلا مرجِّح، وإنْ توقف على مرجِّح آخر لزم التسلسل، فلا بدّ من انتهائه إلى مرجِّح من الله لا صنع للعبد فيه.

قال السني: أما إخوانك القدرية فإنهم يقولون: القادر المختار يُحْدِث إرادته وداعيه بلا مرجِّح من غيره.

قالوا: والفطرة شاهدة بذلك؛ فإنا لا نفعل ما لم نرد، ولا نريد ما لم نعلم أن في الفعل منفعة لنا أو دفع مضرة، ولا نجد لهذه الإرادة إرادة أحدثتها، ولا لعِلْمنا بأنّ ذلك نافعٌ علمًا آخر أحدثه، فالمرجِّح هو ما خُلِق عليه العبد، وفُطِر عليه من صفاته القائمة به، فالله سبحانه أنشأ العبد نشأة يتحرك فيها بالطبع، فحركته بالإرادة والمشيئة من لوازم نشأته وكونه حيوانًا، فإراداته وميوله من لوازم كونه حيًّا، فأفعال العبد الخاصة به هي الدواعي والإرادات لا غير، وما يقع بها من الأفعال شبيه بالفعل المتولّد من حيث كان المتولّد مُسَبّبًا، وهذه الأفعال صادرة عن الدواعي التي يُحْدِثها (١) العبد ابتداء من غير واسطة، فاشتراكهما في أنّ كل واحد منهما مستند إلى فعل خاص بالعبد، فهما متماثلان من هذه الجهة.

قال السني: وهذا جواب باطل بأبطل منه، ورد فاسد بأفسد منه، ومعاذ


(١) تحتمل في "م": "عرفها"، والمثبت من "د".