للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التحقيق والمعرفة، أو يُدَّعَى فيه ذلك، وقالوا: العارف إذا شاهد الحُكْم سقط عنه اللوم.

وقد وقع في كلام شيخ الإسلام أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري ما يوهم ذلك ــ وقد أعاذه الله منه ــ، فإنه قال في باب التوبة من "منازل السائرين" (١): "ولطائفُ أسرار التوبة ثلاثةُ أشياء:

أولها: أن تنظر بين الجنايةِ والقَضيَّةِ، فتعرف مُرادَ الله فيها إذ خلَّاك وإتيانَها، فإن الله تعالى إنما يُخلّي العبدَ والذنْبَ لأجل معنيين (٢):

أحدهما: أن يعرف عزّته في قضائه، وبرّه في ستره، وحلمه في إمهال راكِبه، وكَرَمَه في قبول العُذر منه، وفضله في مغفرته.

والثاني: ليقيم على العبد حجة عدله، فيعاقبه على ذنبه بحجَّته.

واللطيفة الثانية: أنْ يعلم أنَّ طلب (٣) البصير الصادق سيّئتَه لم يُبْقِ له حسنة بحال؛ لأنه يسير بين مشاهدة المنّة، وتطلّب عيب النفس والعمل.

واللطيفة الثالثة: أنّ مشاهدةَ العبدِ الحُكْمَ لم تدع له استحسانَ حسنةٍ، ولا استقباحَ سيئةٍ؛ لصُعوده من جميع المعاني إلى معنى الحُكْم".

فهذا الكلام الأخير ظاهره يبطل استحسان الحسن واستقباح القبيح،


(١) "منازل السائرين" (١٤)، وانظر: "مدارج السالكين" (١/ ٥٨٧ - ٦٣٢).
(٢) في "م" و"المنازل" وبعض نسخ "المدارج" (١/ ٥٨٧): "لأحد معنيين"، والمبثت من "د" ونسخ "المدارج" الأخرى، وهو الأشبه بالسياق.
(٣) في "مدارج السالكين" (١/ ٥٨٧): "نظر"، والمثبت من الأصول الخطية، و"المنازل".