للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالموجودات بأسرها كعسكر واحد، له مَلِك واحد، وسلطان واحد، يحفظ بعضه ببعض، وينظم مصالح بعضه ببعض، ويسد خلل بعضه ببعض، فيمد هذا بهذا، ويقوي هذا بهذا، وينقص من هذا فيزيده في الآخر، {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ اَلْمَيْتِ وَتُخْرِجُ اُلْمَيْتَ مِنَ الْحَيِّ} [آل عمران: ٢٧]، ويبيد هذا فينشئ مكانه من جنسه ما يقوم مقامه، ويسدّ مسده، فيشهد حدوث الثاني أن الذي أحدثه وأوجده هو الذي أحدث الأول لا غيره، وأن حكمته لم تتغير، وعلمه لم ينقص، وقدرته لم تضعف، وأنه لا يتغير بتغير ما تغير منها، ولا يضمحل باضمحلاله، ولا يتلاشى بتلاشيه، بل هو الحي القيوم، العزيز الحكيم.

هذا إلى ما في لوازم مكثها وانتظام بعضها ببعض، وما يصدر عنها من الأفعال والآثار من حِكَم وأفعال أخرى وغايات أُخَر حُكْمها حُكْم موادها وحواملها، كما نشاهده في أشخاصها وأعيانها.

فتأمل (١) ذلك في جزئية واحدة: أنك ترى المعدة تشتاق الغذاء وتجتذبه إليها، فانظر لوازم ذلك قبل تناوله، ولوازمه بعد تناوله، وما يترتب على تلك اللوازم من عمارة الدنيا، فإذا جذبَتْه إليها أنضجتْه وطبختْه، كما تُنْضِج القدرُ ما فيها، فتنضجه الإنضاج الذي تعده لتغذي جميع أجزاء البدن وقواه وأرواحه به، وهي وإن أنضجته لأجل نصيبها الذي ينالها منه فهو قليل من كثير بالنسبة إلى انتفاع غيرها به، فتدفع ما فضل عن غذائها عنها إلى من هو شديد الحاجة إليه على قدر حاجته، من غير أن يقصد ذلك أو يشعر به،


(١) «د»: «مثال».