للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه لسجد له لا محالة.

وقوله: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: ١٠٧] إخباره عن إرادته لفعله لا لأفعال عبيده، وهذا الفعل والإرادة لا ينقسم إلى خير وشرّ كما تقدم.

وعلى هذا؛ فإذا قيل: هو مريد للشر؛ أوهم أنه محب له، راضٍ به.

وإذا قيل: إنه لم يرده؛ أوهم أنه لم يخلقه، ولا كوّنه.

وكلاهما باطل.

وكذلك إذا قيل: إن الشر فعله، أو إنه يفعل الشر؛ أوهم أن الشر فعله القائم به. وهذا محال.

وإذا قيل: لم يفعله، أو ليس بفعل له؛ أوهم أنه لم يخلقه، ولم يكوّنه. وهذا محال.

فانظر ما في إطلاق هذه الألفاظ في النفي والإثبات من الحق والباطل الذي يتبيّن بالاستفصال والتفصيل، وأنّ الصواب (١) في هذا الباب ما دلّ عليه القرآن والسنة من أن الشرّ لا يضاف إلى الربِّ تعالى وصفًا ولا فعلًا، ولا يتسمّى باسمه بوجه من الوجوه، وإنما يدخل في مفعولاته بطريق العموم، كقوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: ١ - ٢]، فـ «ما» ههنا موصولة، أو مصدرية، والمصدر بمعنى المفعول، أي: من شرّ الذي خلقه، أو من شرّ مخلوقه.

وقد يُحذَف فاعله، كقوله حكاية عن مؤمني الجن: {وَإِنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن: ١٠].


(١) «م»: «أن الصواب»، وسياق الكلام قبله لا يساعده.