للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا أحسن من أمره ونهيه، وتحليله وتحريمه، أَمْرُهُ قوتٌ وغذاءٌ وشفاءٌ، ونَهْيُهُ حِمْيةٌ وصيانةٌ، فلم يأمر عباده بما أمرهم به حاجة منه إليهم ولا عبثًا، بل رحمة وإحسانًا ومصلحة، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلًا منه عليهم، بل حماية وصيانة عما يؤذيهم ويعود عليهم بالضرر إن تناولوه.

فكيف يتوهّم مَنْ له مِسْكة مِنْ عقل خلوّها من الحِكَم والغايات المحمودة المطلوبة لأجلها؟!

ولقد استدل كثيرٌ من العقلاء على النبوة بنفس الشريعة، واستغنوا بها عن طلب المعجزة، وهذا من أحسن الاستدلال؛ فإن دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم من أكبر شواهد صدقهم، وكل مَن له خبرة بنوع من أنواع العلوم إذا رأى حاذقًا قد صنّف فيه كتابًا جليلًا عرف أنه من أهل ذلك العلم بنظره في كتابه، وهكذا كل مَن له عقل وفطرة سليمة وخبرة بأقوال الرسل ودعوتهم إذا نظر في هذه الشريعة قَطَع قَطْعًا ــ نظير القَطْع بالمحسوسات ــ أنّ الذي جاء بهذه الشريعة رسولٌ صادق، وأنّ الذي شرعها أحكم الحاكمين.

ولقد شهد لها عقلاء الفلاسفة بالكمال والتمام، وأنه لم يطرق العالمَ ناموسٌ أكمل منها ولا أحكم، هذه شهادة الأعداء، وشهد لها مَن زعم أنه مِن الأولياء بأنها لم تُشْرع لحكمة ولا لمصلحة، وقالوا: أي حكمة في الإلزام بهذه التكاليف الشاقة المتعبة، وأي مصلحة للمكلَّف في ذلك، وأي غرض للمكلِّف؟ وما هو إلا محض المشيئة المجردة من قصدِ غايةٍ أو حكمةٍ.

ولو استحيا هؤلاء من العقلاء لمنعهم الحياء من تسويد القلوب والأوراق بمثل ذلك.

وهل تركت الشريعة خيرًا ومصلحة إلا جاءت به، وأمرت به، وندبت