للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه؟! وهل تركت شرًّا ومفسدة إلا نهت عنه؟! وهل تركت لمُقْتَرِحٍ اقتراحًا، أو لمُتَعَنِّت تعنّتًا، أو لسائلٍ مطلبًا؟! {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: ٥٠].

وعند نفاة الحِكَم أنه يجوز عليه ضد ذلك الحُكْم من كل وجه، وأنه لا فرق بينه وبين ضدّه في نفس الأمر إلا بمجرّد (١) الحُكْم والمشيئة.

فلو اجتمعت حكمة جميع الحكماء من أول الدهر إلى آخره، ثم قيست إلى حكمة هذه الشريعة الكاملة الحكيمة الفاضلة لكانت كقطرة من بحر.

وإنما نعني بذلك الشريعة التي أنزلها الله على رسوله، وشرعها للأمة، ودعاهم إليها، لا الشريعة المبدَّلة ولا المؤوَّلة، ولا ما غلط فيه الغالطون، وتأوّله المتأوِّلون؛ فإن هذين النوعين قد يشتملان على فساد وشر، بل الشر والفساد الواقع بين الأمة من هاتين الشريعتين اللتين نُسِبتا إلى الشريعة المنزَّلة من عند الله عمدًا أو خطأ، وإلا فالشريعة على وجهها خير محضٌ، ومصلحة من كل وجه، ورحمة وحكمة ولُطف بالمكلَّفين، وقيام مصالحهم بها فوق قيام مصالح أبدانهم بالطعام والشراب، فهي مكمِّلة للفطر والعقول، مُرْشِدةٌ إلى ما يحبه الله ويرضاه، ناهيةٌ عما يبغضه ويسخطه، مُسْتَعْمِلةٌ لكل قوة وعضو وحركة في كماله الذي لا كمال له سواه، آمرةٌ بمكارم الأخلاق ومعاليها، ناهيةٌ عن دنيئها وسَفْسافها.

واختصار ذلك: أنه شَرَعَ استعمال كل قوة وكل عضو وكل حركة في كمالها، ولا سبيل إلى معرفة كمالها على الحقيقة إلا بالوحي، فكانت


(١) «د»: «لمجرد».