للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كمال العلم، لا عن عجز وجهل.

وقوله: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} في ثلاث (١) مواضع من القرآن [الأنعام: ٩٦، يس: ٣٨، فصلت: ١٢]، يذكر ذلك عقيب ذكره الأجرام العلوية، وما تضمنته من فَلْق الإصباح، وجَعْل الليل سكنًا، وإجراء الشمس والقمر بحساب لا يعدوانه، وتزيين السماء الدنيا بالنجوم وحراستها بها، فأخبر أن هذا التقدير المحكم المتقن صادر عن عزته وعلمه، ليس أمرًا اتفاقيًا لا يُمدَح به فاعله، ولا يُثنى عليه به كسائر الأمور الاتفاقية.

ومن هذا ختْمه سبحانه قصص الأنبياء وأممهم في سورة الشعراء بقوله عقيب كل قصة: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهْوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء: ٩]، فإن ما حَكَم به لرسله وأتباعهم ولأعدائهم صادر عن عزة ورحمة، فوضَعَ الرحمة في محلها، وانتقم من أعدائه بعزّته، ونجَّى رسله وأتباعهم برحمته، والحكمة الحاصلة من ذلك أمر مطلوب مقصود، وهو غاية الفعل، لا أنها أمر اتفاقي.

فصل

النوع الخامس عشر: إخباره بأن حُكْمه أحسن الأحكام، وتقديره أحسن التقادير، ولولا مطابقته للحكمة والمصلحة المقصودة المرادة لما كان كذلك؛ إذ لو كان حُسْنه لكونه مقدورًا معلومًا ـ كما يقوله النفاة ـ لكان هو وضده سواء؛ فإنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، فكان كلّ معلوم مقدور أحسن الأحكام وأحسن التقادير، وهذا ممتنع.

قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: ٥٠]، وقال:


(١) كذا في الأصول، والوجه: «ثلاثة»، وتقدمت نظائره.