للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنت إذا وازنت بين تأويلات القدرية والجهمية والرافضة لم تجد بينها وبين تأويلات الملاحدة والزنادقة من القرامطة والباطنية وأمثالهم كبير فرق.

والتأويل الباطل يتضمن تعطيل ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والكذب على المتكلم أنه أراد ذلك المعنى، فيتضمن إبطال الحق وتحقيق الباطل، ونسبة المتكلم إلى ما لا يليق به من التلبيس والإلغاز، مع القول عليه بلا علم أنه أراد هذا المعنى.

فالمتأول عليه أن يبين صلاحية اللفظ للمعنى الذي ذكره أولًا، واستعمال المتكلم به في ذلك المعنى في أكثر المواضع، حتى إذا استعمله فيما يحتمل غيره حُمِل على ما عُهِد منه استعماله فيه، وعليه أن يقيم دليلًا سالمًا عن المعارض على الموجِب لصرف اللفظ عن ظاهره وحقيقته إلى مجازه واستعارته، وإلا كان ذلك مجرد دعوى منه فلا تقبل.

وتأوّلَ بعضهم هذه النصوص على أن المراد بها هداية البيان والتعريف لا خلْق الهدى في القلب، فإن الله سبحانه لا يقدر على ذلك عند هذه الطائفة.

وهذا التأويل من أبطل الباطل، فإن الله سبحانه يخبر أنه قسم هدايته للعبد قسمين: قسمًا لا يقدر عليه غيره، وقسمًا مقدورًا للعباد، فقال في القسم المقدور للبشر: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢]، وقال في غير المقدور للبشر: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: ٥٦]، وقال: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ} [الأعراف: ١٨٦].