للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استوى على عرشه، واستولى على خلقه، متفرّد بتدبير مملكته، فلا قبض ولا بسط، ولا عطاء ولا منع، ولا هدى ولا ضلال، ولا سعادة ولا شقاوة، ولا موت ولا حياة، ولا نفع ولا ضر إلا بيده، لا مالك غيره، ولا مدبر سواه، لا يستقل أحد معه بملك مثقال ذرة في السماوات والأرض، ولا يشركه في ملكها، ولا يحتاج إلى وزير ولا ظهير ولا معين، ولا يغيب فيخلفه غيره، ولا يعيى (١) فيعينه سواه، ولا يتقدم أحد بالشفاعة بين يديه إلا من بعد إذنه لمن شاء فيمن شاء.

فهذا أول مشاهد المعرفة.

ثم يترقى منه إلى مشهد آخر فوقه، لا يتم الإيمان إلا به، وهو مشهد الإلهية، فيشهده سبحانه متجلّيًا في كلامه بأمره ونهيه، ووعده ووعيده، وثوابه وعقابه، وعدله في عقابه، وفضله في ثوابه، فيشهد ربًّا قيّومًا متكلّمًا، آمرًا ناهيًا، يحبّ ويبغض، ويرضى ويغضب، قد أرسل رسله، وأنزل كتبه، وأقام على عباده حجته البالغة، وأتم عليهم نعمته السابغة، يهدي من يشاء نعمة منه وفضلًا، ويضل من يشاء حكمة منه وعدلًا، تنزل إليهم أوامره، وتعرض عليه أعمالهم، لم يخلقهم عبثًا، ولم يتركهم سدى، بل أَمْره جارٍ عليهم في حركاتهم وسكناتهم، وظواهرهم وبواطنهم، فلله عليهم حُكْم وأَمْر في كل تحريكة وتسكينة، ولحظة ولفظة.

وينكشف له في ضوء هذا النور عدله وحكمته، ورحمته ولطفه، وإحسانه وبرّه، في شرعه وأحكامه، وأنها أحكام ربّ رحيم محسن لطيف


(١) عدا "ج": "معين".