للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلتَ: فالرغبة والرهبة بيده لا بيد العبد!

قلتُ: نعم والله، وهما مجرد فضله ومنّته، وإنما يجعلهما في المحل الذي يليق بهما، ويحبسهما عمن لا يصلح.

فإن قلتَ: فما ذنب من لا يصلح؟

قلتُ: أكبر ذنوبه أنه لا يصلح؛ لأن عدم صلاحيته بما اختاره لنفسه وآثره وأحبّه من الضلال والعمى (١) على بصيرة من أمره، فآثر هواه على حق ربّه ومرضاته، واستحب العمى على الهدى، وكان كُفْر المُنْعِم عليه بصنوف النعم، وجَحْد إلهيته والشرك به، والسعي في مساخطه؛ أحبَّ إليه من شكره وتوحيده، والسعي في مرضاته، فهذا من عدم صلاحيته لتوفيق خالقه ومالكه، وأي ذنب فوق هذا؟!

فإذا أمسك الحَكَمُ العدلُ توفيقه عمن هذا شأنه كان قد عَدَل فيه، وانسدَّت عليه أبواب الهداية وطرق الرشاد، فأظلم قلبه، فضاق عن دخول الإسلام والإيمان فيه، فلو جاءته كل آية لم تزده إلا ضلالًا وكفرًا.

وإذا تأمل من شرح الله صدره للإسلام والإيمان هذه الآية، وما تضمنته من أسرار التوحيد والقدر والعدل وعظمة شأن الربوبية؛ صار لقلبه عبودية أخرى ومعرفة خاصة، وعلم أنه عبد من كل وجه وبكل اعتبار، وأن الربّ تعالى ربّ كل شيء ومليكه من الأعيان والصفات والأفعال، والأمر كله بيده، والحمد كله له، وأزمّة الأمور بيديه، ومرجعها كلها إليه.

ولهذه الآية شأن فوق عقولنا، وأجلّ من أفهامنا، وأعظم مما قال فيها


(١) "د": "والغي"، والمثبت من "م".