للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك لأن الإحكام تارة يكون في التنزيل، فيكون في مقابلة ما يلقيه الشيطان في أُمنِية المبلِّغ، أو في سمع المبلَّغ، فالمُحْكَم ههنا هو المنزّل من عند الله، أحكمه الله: أي فصّله من اشتباهه بغير المنزّل، وفصّل منه ما ليس منه بإبطاله، وتارة يكون في إبقاء المنزّل واستمراره، فلا يُنسخ بعد ثبوته، وتارة يكون في معنى المنزّل وتأويله، وهو تمييز المعنى المقصود من غيره حتى لا يشتبه به.

والمقصود أن قوله تعالى: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الحج: ٥٣]، هي لام التعليل على بابها، وهذا الاختبار والامتحان مُظْهِر لمختلف القلوب الثلاثة، فالقاسية والمريضة ظهر خِبْؤها من الشك والكفر، والمُخْبِتة ظهر خِبْؤها من الإيمان والهدى وزيادة محبته، وزيادة بغض الكفر والشرك والنفرة عنه، وهذا من أعظم حِكَم هذا الإلقاء.

فصل

وأما اللام في قوله: {مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: ٤٢]، فلام التعليل على بابها، فإنها مذكورة في بيان حكمته في جمع أوليائه وأعدائه على غير ميعاد، ونصرة أوليائه مع قلتهم ورقّتهم وضعف عَددهم وعُدَدهم على أصحاب الشوكة والعَدد والحدّ والحديد، الذين لا يَتوهّم بشرٌ أنهم يُنصرون عليهم، فكانت تلك آية من أعظم آيات الربّ تعالى، صَدّق بها رسولَه وكتابَه، ليهلك بعدها من اختار لنفسه الكفر والعناد عن بَيّنة، فلا يكون له على الله حجة، ويحيى من حَيّ بالإيمان بالله ورسوله عن بَيّنة، فلا يبقى عنده شك ولا ريب، وهذا من أعظم الحِكَم.