للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقلوب ثلاثة: قلب قاس، وهو اليابس الصلب الذي لا يقبل صورة الحق، ولا تنطبع فيه ليبسه. وضده القلب الليّن المتماسك، وهو السليم من المرض، الذي يقبل صورة الحق بلينه، ويحفظها بتماسكه، بخلاف المريض الذي لا يحفظ ما ينطبع فيه؛ لميعانه ورخاوته، كالمائع الذي إذا طَبعتَ فيه الشيء قَبِل صورته بما فيه من اللِّيْن، ولكن رخاوته تمنعه من حفظها، فخير القلوب الصلب الصافي الليْن، فهو يرى الحق بصفائه، ويقبله بلينه، ويحفظه بصلابته.

وفي "المسند" (١) وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "القلوب آنية الله في أرضه، فأحبها إليه أصلبها وأرقّها وأصفاها".

وقد ذكر سبحانه أنواع القلوب في قوله: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج: ٥٣ - ٥٤]، فذكر القلب المريض وهو الضعيف المنحل الذي لا تثبت فيه صورة الحق، والقلب القاسي اليابس الذي لا يقبلها ولا تنطبع فيه، فهذان القلبان شقيّان معذّبان.


(١) لم أقف عليه في "المسند".
وقد روي هذا الأثر مرفوعًا وموقوفًا ومقطوعًا: فأخرجه مرفوعًا الطبراني في "مسند الشاميين" (٨٤٠) من حديث أبي عِنَبة الخولاني بإسناد جيد، وله شاهد في "الزهد" (٨٣٠) عن أبي أمامة، وهو في "جزء الدراج" (٩٩) موقوفًا على أبي عنبة، ومقطوعًا على خالد بن معدان في "الزهد" (٢٢٦٤)، انظر: "فيض القدير" (٢/ ٤٩٦)، "الصحيحة" (١٦٩١).