للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالرب تعالى فعَّالٌ لما يريد، لا حَجْر عليه.

وقد ضلّ ههنا فريقان:

القدرية: حيث زعمت أن ذلك ليس مقدورًا للربِّ، ولا يدخل تحت فعله؛ إذ لو كان مقدورًا له ومنعه العبد لناقض جودَه ولطفَه.

والجبرية: حيث زعمت أنه سبحانه إذا قدّر قدرًا، أو علم شيئًا فإنه لا يغيره بعد هذا، ولا يتصرف فيه بخلاف ما قدره وعلمه.

والطائفتان حَجَرت على من لا يدخل تحت حَجْر أحد أصلًا، وجميع خلقه تحت حَجْره شرعًا وقدرًا.

وهذه المسألة من أكبر مسائل القدر، وسيمر بك ــ إن شاء الله ــ في باب المحو والإثبات ما يشفيك فيها (١).

والمقصود أنه مع الطبع والختم والقفل لو تعرض العبد لفَكِّ ذلك الختم والطابع، وفَتْح ذلك القفل لفتحه من بيده مفاتيح كل شيء، وأسباب الفتح مقدورة للعبد غير ممتنعة عليه، وإن كان فكُّ الختم وفَتْحُ القفل غير مقدور له، كما أن شرب الدواء مقدور له، وزوال العلة وحصول العافية غير مقدور له، فإذا استحكم به المرض، وصار صفة لازمة له لم يكن له عذر في تعاطي ما إليه من أسباب الشفاء، وإن كان غير مقدور له، ولكن لمّا ألف العلة وساكَنها، ولم يحب زوالها، ولا آثر ضدها عليها، مع معرفته بما بينها (٢) وبين ضدها من التفاوت= فقد سدّ على نفسه باب الشفاء بالكلية.


(١) لم يفرد المؤلف بابًا لذلك، فلعل قصده مباحث النسخ الآتية في (٢/ ١٢٠ - ١٢٤).
(٢) "م": "وبينه".