للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن الخطيب: "وهذا غلو منه في القدر. وقوله: "إنه يتوقف على الداعي، والداعي خلق لله" غلو في الجَبْر، فجمع بين القدر والجبر مع غلوه فيهما" (١).

ولم ينصفه؛ فليس ما ذهب إليه غلوًا في قدر ولا جبر؛ فإنّ توقف الفعل على الداعي ووجوبه عنده بقدرة العبد ليس جبرًا، فضلًا أن يكون غلوًا فيه، وكون العبد مُحْدِثًا لفعله ضرورة بما خلقه الله فيه من القدرة والاختيار ليس قولًا بمذهب القدرية، فضلًا عن كونه غلوًا فيه.

فصل

قال الجبري: إذا كان الداعي ليس من أفعالنا، وهو عِلْم القادر أن في ذلك الفعل مصلحة له، وذلك أمر مركوز في طبيعته التي خُلِق عليها، وذلك مفعول لله فيه، والفعل واجب عنده= فلا معنى للجبر إلا هذا.

قال له السني: أخوك القدري يجيبك عن هذا: بأن ذلك الداعي قد يكون علمًا، وقد يكون اعتقادًا، وقد يكون ظنًّا، وقد يكون جهلًا وغلطًا، وهذه أمور يحدثها الإنسان في نفسه، فيفعل على حسب ما يَتوهّم أن فيه مصلحته: صادفها أو لم يصادفها، فالداعي لا ينحصر في العلم خاصة.

قال الجبري: لا يساوي هذا الجواب شيئًا؛ فإن العطشان مثلًا يدعوه الداعي إلى شرب الماء لعلمه بنفعه، وشهوته وميله إلى شربه، وذلك العلم وتلك الشهوة والميل إلى الشرب من فعل الله فيه، فيجب على القدري أن يترك مذهبه صاغرًا داخرًا، ويعترف بأن ذلك الفعل مضاف إلى من خَلَق فيه


(١) "الأربعين" (٣١٩ - ٣٢٠).