للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُنزّه عندهم عن شيء من الممكنات البتّة، إلا ما أخبر بأنه لا يكون، فإنهم ينزهونه عن كونه لمخالفة خبره، لا لمخالفة حكمته، والقبيح عندهم هو الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة، وما دخل تحت القدرة لم يكن قبيحًا، ولا مستلزمًا نقصًا عندهم.

وجماع ذلك بالجواب الخامس عشر: أنّه ما من محذور يلزم من تجويز فِعْله لحكمة إلا والمحاذير التي يلزم من كونه يفعل لا لحكمة أعظم امتناعًا، فإن كانت تلك المحاذير غير ممتنعة كانت محاذير إثبات الحكمة أولى بعدم الامتناع، وإن كانت محاذير إثبات الحكمة ممتنعة فمحاذير نفيها أولى بالامتناع.

الجواب السادس عشر: أنّ فِعْل الحيِّ العالم الاختياري لا لغاية ولا لغرض يدعوه إلى فعله لا يُعقل، بل هو من الممتنعات، ولهذا لا يصدر إلا من مجنون أو نائم أو زائل العقل؛ فإن الحكمة والعلة الغائية هي التي تجعل المريد مريدًا، فإنه إذا علم بمصلحة الفعل ونفعه وغايته انبعثت إرادته إليه، فإذا لم يَعلم في الفعل مصلحة، ولا كان له فيه غرض صحيح، ولا داعٍ يدعوه إليه البتّة؛ فلا يقع منه إلا على سبيل العبث، هذا الذي لا يعقل العقلاء سواه.

وحينئذ فنفي الحكمة والعلة الغائية عن فعل أحكم الحاكمين نفي لفعله الاختياري في الحقيقة، وذلك أنقص النقص، وقد تقدم تقرير ذلك، وبالله التوفيق.

فصل

قال نفاة الحكمة: هب أن هذه الحجة بطلت، فلا يلزم من بطلان دليل معيّن بطلان الحكم، فنحن نذكر حجة غيرها فنقول: لو كان فعله تعالى