للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقول القائل: لِمَ خَلَق الرديء والخبيث واللئيم؟ سؤال جاهل بأسمائه وصفاته وملكه وربوبيته، وهو سبحانه قد فرّق بين خلقه أعظم تفريق، وذلك من كمال قدرته وربوبيته، فجعل منه ما يقبل جميع الكمال الممكن، ومنه ما لا يقبل شيئًا منه، وبين ذلك درجات متفاوتة لا يحصيها إلا الخلاق العليم، وهدى كل نفس إلى حصول ما هي قابلة له، والقابل والمقبول والقَبول كله مفعوله ومخلوقه، وأثر فعله وخلقه، وهذا هو الذي ذهب عن الجبرية والقدرية ولم يهتدوا إليه، وبالله التوفيق.

قالت القدرية: الختم والطبع هو شهادته سبحانه عليهم بأنهم لا يؤمنون، وعلى أسماعهم وعلى قلوبهم (١).

قال أهل السنة: هذا هو قولكم بأن الختم والطبع هو الإخبار عنهم بذلك، وقد تقدم فساد هذا بما فيه كفاية، وأنه لا يقال في لغة من لغات الأمم لمن أخبر عن غيره بأنه مطبوع على قلبه، وأن عليه ختمًا: إنه قد طَبَع على قلبه وخَتَم عليه، بل هذا كذب على اللغات وعلى القرآن.

وكذلك قول من قال: إن ختمه على قلوبهم اطّلاعه على ما فيها من الكفر. وكذلك قول من قال: إنه إحصاؤه عليهم حتى يجازيهم به. وقول من قال: إنه إعلامها بعلامة تعرفها بها الملائكة. وقد بيَّنا بطلان ذلك بما فيه كفاية.

قالت القدرية: لا يلزم من الطبع والختم والقفل أن تكون مانعةً من الإيمان، بل يجوز أن يجعل الله فيهم ذلك من غير أن يكون منعهم من


(١) هكذا وقعت الجملة في الأصول.