للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

النوع التاسع عشر: اتصافه بالرحمة، وأنه أرحم الراحمين، وأن رحمته وسعت كل شيء، وذلك لا يتحقق إلا بأن يقصد رحمة خلقه بما خلقه لهم، وبما أمرهم به، فلو لم تكن أوامره لأجل الرحمة والحكمة والمصلحة وإرادة الإحسان إليهم لما كانت رحمة، ولما كان رسوله رحمة للعالمين، فلو خلت أحكامه عن الحِكَم والمصالح لما كانت رحمة (١)، ولو حصلت بها الرحمة لكانت اتفاقية لا مقصودة، وذلك لا يوجِب أن يكون الآمر سبحانه أرحم الراحمين، فتعطيل حكمته والغاية المقصودة التي لأجلها يفعل إنكارٌ لرحمته في الحقيقة، وتعطيل لها.

وكان شيخ هذا المذهب جهم بن صفوان يقف على الجَذْمى (٢)، ويشاهد ما هم فيه من البلاء، ويقول: أرحم الراحمين يفعل مثل هذا! (٣).

يعني: أنه ليس ثَمّ رحمة في الحقيقة، وإنما الأمر راجع إلى محض المشيئة الخالية عن الحكمة والرحمة، فلا حكمة عنده ولا رحمة؛ فإن الرحمة لا تُعقل إلا مِن فِعْل مَن يفعل الشيء لرحمة غيره ونفعه والإحسان إليه، فإذا لم يفعل لغرض ولا غاية ولا حكمة لم يفعل لرحمة ولا لإحسان.


(١) من قوله: «ولما كان رسوله» إلى هنا ساقط من «د».
(٢) جمع أَجْذَم، وهو مَنْ تهافتت أطرافه من مرض الجُذَام، «تاج العروس» (٣١/ ٣٨٣).
(٣) حكاه شيخ الإسلام في عدة مواضع من كتبه، منها: «النبوات» (٢/ ٩١٥)، «منهاج السنة» (٣/ ٣٢)، وكذا تكرّرت عند المصنف كما تراه في «إغاثة اللهفان» (٢/ ٩٢٠) وغيره.