للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصفاتها، وقواها وأفعالها، ومستعملها فيما خُلِقت له، فبعضها بطباعها وبعضها بإرادتها ومشيئتها، وكل ذلك جار على وفق حكمته، وهو موجَب حمده، ومقتضى كماله المقدس وملكه التام، ولا نسبة لما علمه الخلق من ذلك إلى ما خفي عنهم بوجه ما، إن هو إلا كنقرة عصفور من البحر.

فصل

وأما الإغفال فقال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: ٢٨].

سُئل أبو العباس ثعلب عن قوله: {أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} فقال: "مَن جعلناه غافلًا، قال: ويكون في الكلام: أغفلته سميته غافلًا، ووجدته غافلًا" (١).

قلت: الغُفْل: الشيء الفارغ، والأرض الغُفْل: التي لا علامة بها، والكتاب الغُفْل: الذي لا شكل عليه، فأغفلناه تركناه غُفْلًا عن الذكر، فارغًا منه، فهو إبقاء له على العدم الأصلي؛ لأنه سبحانه لم يشأ له الذكر، فبقي غافلًا، فالغفلة وصفه، والإغفال فعل الله فيه بمشيئته لغفلته وعدم مشيئته لتذكره، فكل منهما مقتضٍ لغفلته، فإذا لم يشأ له التذكر لم يتذكر، وإذا شاء غفلته امتنع منه التذكر.

فإن قيل: فهل تضاف الغفلة والكفر والإعراض ونحوها إلى عدم مشيئة الربّ أضدادها أم إلى مشيئته لوقوعها؟


(١) انظر: "تهذيب اللغة" (٨/ ١٣٦)، "البسيط" (١٣/ ٦٠٠).