للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قالت القدرية: معنى {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}: تأمرهم بالمعاصي أمرًا. وحكوا ذلك عن الضحاك.

وهذا لا يُلتفت إليه؛ إذ لا يُقال لمن أَمَر غيره بشيء: قد أزّه. ولا تساعد اللغة على ذلك، ولو كان ذلك صحيحًا لكانت تؤز المؤمنين أيضًا؛ فإنها تأمرهم بالمعاصي أكثر من أمر الكافرين؛ فإن الكافر سريع الطاعة والقبول من الشيطان، فلا يحتاج من أمره إلى ما يحتاج إليه من أمر المؤمنين، بل يأمر الكافر مرّة، ويأمر المؤمن مرات، فلو كان الأزّ الأمر لم يكن له اختصاص بالكافرين.

فصل

ومن ذلك قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس: ١ - ٦]، وقوله: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: ٩٧ - ٩٨]، وقوله: {يَعْمَلُونَ (٩٧) فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ} [النحل: ٩٨]، ومن المعلوم أن الإعاذة من الشيطان الرجيم ليست بإماتته، ولا تعطيل آلات كيده وشرّه، وإنّما هي بأن يَعْصم المستعيذ من أذاه له، ويحول بينه وبين فعله الاختياري به، فدلّ على أنَّ فعله مقدور له سبحانه، إن شاء سلَّطه على العبد، وإن شاء حال بينه وبينه.

وهذا على أصول القدرية باطل، فلا يثبتون حقيقة الإعاذة، وإن أثبتوا حقيقة الاستعاذة من العبد، وجعلوا الآية ردًّا على الجبرية. والجبرية أثبتوا