للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

ولمّا كانت الآلام كالأدوية للأرواح والأبدان كانت كمالًا للحيوان، خصوصًا لنوع الإنسان؛ فإن فاطره وبارئه إنما أمرضه ليشفيه، وإنما ابتلاه ليعافيه، وإنما أماته ليحييه، فهو سبحانه يسوق الحيوان والإنسان في مراتب الكمال طورًا بعد طور إلى آخر كماله بأسباب لا بدّ له منها، وكماله موقوف على تلك الأسباب، ووجود الملزوم بدون لازمه ممتنع، كوجود المخلوق بدون الحاجة والفقر والنقص ولوازم ذلك، ولوازم تلك اللوازم.

ولكن أكثر النفوس جاهلة بالله وحكمته وعلمه وكماله، فتفرض أمورًا ممتنعة وتقدّرها تقديرًا ذهنيًا، وتحسب أنها أكمل من الممكن الواقع، ومع هذا فربّها يرحمها لجهلها وعجزها ونقصها، فإن اعترفت بذلك واعترفت له بكماله وحمده، وقامت بمقتضى هذين الاعترافين؛ كان نصيبها من الرحمة أوفر.

والله سبحانه افتتح الخلق بالحمد، وختم أمر هذا العالم بالحمد، فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام: ١]، وقال: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٧٥)} [الزمر: ٧٥]، وأنزل كتابه بالحمد، وشرع دينه بالحمد، وأوجب ثوابه وعقابه بالحمد، فحمده من لوازم ذاته؛ إذ يستحيل أن يكون إلا محمودًا.

فالحمد سبب الخلق وغايته، الحمدُ أوجبه، وللحمد وُجِد.

فحمده واسع لما وسعه علمه ورحمته، وقد وسع ربنا كل شيء رحمة وعلمًا، فلم يوجِدْ شيئًا ولم يقدّره ولم يشرَعْه إلا بحمده ولحمده.