للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكل ما خلقه وشرعه فهو متضمن للغايات الحميدة، ولابد من لوازمها ولوازم لوازمها، ولهذا ملأ حمده سماواته وأرضه وما بينهما، وما شاء من شيء بعد، مما خلقه ويخلقه هناك بعد هذا الخلق، فحمده ملأ ذلك كله.

وحمده تعالى أنواع: حمد على ربوبيته، وحمد على تفرده بها، وحمد على ألوهيته وتفرده بها، وحمد على نعمته، وحمد على منّته، وحمد على حكمته، وحمد على عدله في خلقه، وحمد على غناه عن اتخاذ الولد والشريك والولي من الذل، وحمد على كماله الذي لا يليق بغيره، فهو محمود على كل حال، وفي كل آن ونَفَس، وعلى كل ما فعل وكل ما شرع، وعلى كل ما هو متصف به، وعلى كل ما هو منزّه عنه، وعلى كل ما في الوجود من خير وشَرّ، ولذّة وألم، وعافية وبلاء.

فكما أن المُلك كله له، والقدرة كلها له، والعزة كلها له، والعلم كله له، والجمال كله له= فالحمد كله له، كما في الدعاء المأثور: «اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، وأنت أهل أن تُحمد» (١).

وما عُمِرت الدنيا إلا بحمده، ولا الجنة إلا بحمده، ولا النار إلا بحمده، حتى إن أهلها ليحمدونه، كما قال الحسن: «لقد دخل أهلُ النارِ النارَ وإنّ قلوبهم لتحمده، ما وجدوا عليه من حجة ولا سبيل» (٢).


(١) أخرجه عبد الرزاق (٧٩٤٩)، وأحمد (٢٣٣٥٥)، والطبراني في «الدعاء» (١٧٤٦) من حديث رجل ــ وفي رواية: رجل من أهل فدك، وفي أخرى: رجل من ولد حذيفة ــ عن حذيفة، في حكاية رويت مرفوعة وموقوفة، وإسناده ضعيف؛ لجهالة التابعي.
(٢) تقدم تخريجه في (١/ ٤٤٢).
تنبيه: وقع بعد قول الحسن في نسخة «م» وحدها ما نصه: «هَبْ أن ما ذكره يتأتى في آلام الدنيا ومصائبها، فكيف يتأتى في آلام الآخرة ومصائبها»، والظاهر من السياق أنها من اعتراضات بعض من طالع النسخة الأم؛ فأدخلها الناسخ سهوًا، والله أعلم.