للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب الحادي عشر

في ذكر المرتبة الثانية، وهي مرتبة الكتابة

وقد تقدم في أول الكتاب ما دَلَّ على ذلك من نصوص القرآن والسنة الصحيحة الصريحة، فنذكر هنا بعض ما لم نذكره.

قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: ١٠٥ - ١٠٦]، فالزبور هنا جميع الكتب المنزلة من السماء، لا تختص بزبور داود، والذكر أم الكتاب الذي عند الله، والأرض هي الدنيا، وعباده الصالحون أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، هذا أصح الأقوال في هذه الآية.

وهي عَلَمٌ من أعلام نبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه أخبر بذلك بمكة وأهل الأرض كلهم كفار أعداء له ولأصحابه، والمشركون قد أخرجوهم من ديارهم ومساكنهم وشتتوهم في أطراف الأرض، فأخبرهم ربهم تبارك وتعالى أنه كتب في الذكر الأول أنهم يرثون الأرض من الكفار، ثم كتب ذلك في الكتب التي أنزلها على رسله.

والكتاب الأول قد أُطْلِق عليه الذكرُ في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته: "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء" (١)، فهذا هو الذكر الذي كُتِب فيه أن الدنيا تصير لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.


(١) أخرجه البخاري وحده (٣١٩١) من حديث عمران بن حصين.