للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن عجيب أمرها ما ذكره الجاحظ: أن رجلًا كان له زوج حمام مقصوص، وزوج حمام طيّار، وللطيار فرخان، قال: ففتحتُ لهما في أعلى الغرفة كَوَّة للدخول والخروج وزقّ فراخهما.

قال: فحبسني السلطان فجأة، فاهتممت بشأن المقصوص غاية الاهتمام، ولم أشك في موتهما؛ لأنهما لا يقدران على الخروج من الكَوَّة، وليس عندهما ما يأكلان ويشربان.

قال: فلما خُلّي سبيلي لم يكن لي هَمّ غيرهما، ففتحت البيت فوجدت الفرخين قد كبرا، ووجدت المقصوصين على أحسن حال، فتعجبت، فلم ألبث أن جاء الزوج الطيار، فدنا الزوج المقصوص إلى أفواههما يستطعمانهما كما يستطعم الفرخ، فزقّاهما (١).

فانظر إلى هذه الهداية، فإن المقصوصين لما شاهدا تلطف الفراخ للأبوين وكيف يستطعمانهما، واشتد بهما الجوع والعطش، فعلا كفعل الفرخين فأدركتهما رحمة الطياريْن، فزقّاهما كما يزقّان فرخيهما.

ونظير ذلك ما ذكره الجاحظ وغيره ـ قال الجاحظ: وهو أمر مشهور عندنا بالبصرة ــ: أنه لما وقع الطاعون الجارف أتى على أهل دار، فلم يشك أهل تلك المحلّة أنه لم يُبْقِ منهم أحدًا، فعمدوا إلى باب الدار فسدوه، وكان قد بقي صبي صغير يرضع ولم يفطنوا له.

فلما كان بعد ذلك بمدة تحول إليها بعض ورثة القوم، ففتح الباب، فلما


(١) "الحيوان" (٢/ ١٥٦ - ١٥٧).