للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بحدوث أعيان الفعل ودوام نوعه يقول ذلك في الحكمة سواء، ومَن قال بحدوث نوع الفعل وقيامه بالربّ، قال ذلك في الحكمة أيضًا، كما يقوله الكَرّامية، ومَن قال بحدوث نوع الفعل وعدم قيامه بالربّ يقول ذلك في الحكمة أيضًا (١)، كما يقوله كثير من النظار، فلا يمتنع على أصل طائفة من الطوائف إثبات الحكمة في فعله سبحانه.

الجواب الثالث: قولك: «يفتقر كونه مُحْدِثًا لتلك العلّة إلى علة أخرى» ممنوع؛ فإن هذا إنما يلزم أن لو قيل: كل حادث فلا بدّ له من علّة، ونحن لا نقول هذا، بل نقول: يفعل لحكمة، ومعلوم أن المفعول لأجله مراد للفاعل محبوب له، والمراد المحبوب تارة يكون مرادًا لنفسه، وتارة يكون مرادًا لغيره، والمراد لغيره لابدّ أن ينتهي إلى المراد لنفسه قطعًا للتسلسل، وهذا كما نقول في خَلْقه بالأسباب: إنه يخلق كذا بسبب كذا، وكذا بسبب كذا، حتى ينتهي الأمر إلى أسباب لا سبب لها سوى مشيئة الربّ، فكذلك يخلق لحكمة، وتلك الحكمة لحكمة، حتى ينتهي الأمر إلى حكمة لا حكمة فوقها.

الجواب الرابع: أن النفاة يقولون: كل مخلوق فهو مراد لنفسه لا لغيره، وحينئذ فلا يمتنع أن يكون بعض المخلوقات مرادًا لغيره، وينتهي الأمر إلى مراد لنفسه، بل هذا أولى بالجواز من جَعْل كل مخلوق مرادًا لنفسه، وكذلك في الأمر يكون مرادًا لغيره حتى ينتهي إلى أمر مراد لنفسه، وكذلك المحبوبات، يكون المحبوب محبوبًا لغيره حتى ينتهي إلى محبوب لنفسه.


(١) «في الحكمة أيضًا» مطموسة في «م».