للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن كان تعظيمًا للصنم وللشيطان فإضافته إلى هذا المحل جعلته شرًّا، كما أن إضافة السجود إلى غير الله جعلته كذلك.

فصل

ومما ينبغي أن يُعلم أن الأشياء المكوَّنة من موادها شيئًا فشيئًا كالنبات والحيوان، إما أن يعرض لها النقص الذي هو شر في ابتدائها، أو بعد تكوّنها.

فالأول: هو بأن يعرض لمادتها من الأسباب ما يجعلها رديَّة المزاج، ناقصة الاستعداد، فيقع الشر فيها، والنقص في خلقتها بذلك السبب، وليس ذلك بأن الفاعل حرَمه وأذهب عنه أمرًا وجوديًا به كماله، بل لأن المُنفعِل لم يقبل الكمال والتمام، وعدم قبوله أمر عدمي ليس بالفاعل، وإنما الذي بالفاعل هو الخير الوجودي الذي يقبل به كماله وتمامه، فنقصه والشر الذي حصل فيه هو من عدم إمداده بسبب الكمال، فبقي على العدم الأصلي.

وبهذا يُفهم سرّ قوله تعالى: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [الملك: ٣]، فإن ما خَلَقه فهو أمر وجودي به كمال المخلوق وتمامه، وأما عيبه ونقصه فمن عدم قبوله، وعدم القبول ليس أمرًا مخلوقًا يتعلق بفعل الفاعل، فالخلق الوجودي ليس فيه تفاوت، والتفاوت إنما حصل بسبب فَقْد هذا الخلق، فإن الخالق سبحانه لم يخلق له استعدادًا، فحصل التفاوت فيه من عدم الخلق لا من نفس الخلق، فتأمله.

والذي إلى الرب سبحانه هو الخلق، وأما العدم فليس هو بفاعل، فإذا لم تكمل مادةُ الجنين في الرحم بما يقتضي كماله وسلامة أعضائه واعتدالها حصل فيه التفاوت، وكذلك النبات.