للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فطاعة الله ورسوله لا تجلب إلا خيرًا، ومعصيته لا تجلب إلا شرًّا، ولهذا قال سبحانه: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: ٧٨]، فإنهم لو فقهوا الحديث لعلموا أنه ليس في الحديث الذي أنزله الله على رسوله ما يوجب شرًّا البتّة، ولعلموا أنه سبب كل خير، ولو فقهوا لعلموا أن العقول والفطر تشهد بأن مصالح المعاش والمعاد متعلقة بما جاء به الرسول، فلو فقهوا القرآن علموا أنه أمرهم بكل خير، ونهاهم عن كل شر.

وهذا مما يبين أن ما أمر الله به يُعلم حُسْنه بالعقل، وأنه كله مصلحة ورحمة ومنفعة وإحسان، بخلاف ما يقوله كثير من أهل الكلام الباطل: إنه سبحانه قد يأمر العباد بما لا مصلحة لهم فيه، بل يأمرهم بما فيه مضرّة لهم، وقول هؤلاء تصديق وتقرير لقول المتطيّرين بالرسل.

فصل

ومما يوضح الأمر في ذلك أنه سبحانه لما قال: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: ٧٩] عقّب ذلك بقوله: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: ٧٩] وذلك يتضمن أشياء:

منها: تنبيه أمته على أن رسوله الذي شهد له بالرسالة إذا أصابه ما يكره فمن نفسه، فما الظن بغيره؟!

ومنها: أن حجة الله قد قامت عليهم بإرساله، فإذا أصابهم سبحانه بما يسوؤهم لم يكن ظالمًا لهم في ذلك؛ لأنه قد أرسل رسوله إليهم يعلمهم بما فيه مصالحهم، وما يجلبها لهم، وما فيه مضرتهم، وما يجلبها لهم، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه.