النسبتين في هذه الآية، وهي نسبة السيئة إلى نفس العبد، ونسبة الحسنة والسيئة إلى أنهما من عند الله.
فتأمل اتفاق القرآن وتصديق بعضه بعضًا، فحيث جعل الطائر معهم، والسيئة من نفس العبد، فهو على جهة السبب والموجِب، أي لأن الشر والشؤم الذي أصابكم هو منكم ومعكم، فإن أسبابه قائمة بكم، كما تقول: شرُّك منك، وشؤمك فيك، وطائرك معك.
وحيث جعل ذلك كله من عنده فهو لأنه الخالق له، المجازي به عدلًا وحكمة، فالطائر يراد به العمل وجزاؤه، فالمضاف إلى العبد العمل، والمضاف إلى الربِّ الجزاء، فطائركم معكم طائر العمل، وطائركم عند الله طائر الجزاء.
فما جاءت به الرسل ليس سببًا لشيء من المصائب، ولا تكون طاعة الله ورسوله سببًا لمصيبة قط، بل طاعة الله ورسوله لا توجب إلا خيرًا في الدنيا والآخرة، ولكن قد يصيب المؤمنين بالله ورسوله مصائب بسبب ذنوبهم وتقصيرهم في طاعة الله ورسوله، كما لحقهم يوم أحد ويوم حنين، وكذلك ما امتُحِنوا به من الضراء وأذى الكفار لهم، ليس هو بسبب نفس إيمانهم ولا هو موجَبه، وإنما امتُحِنوا به ليخلّص ما فيهم من الشر، فامتُحِنوا بذلك كما يُمْتَحن الذهب بالنار ليخلّص منه غشّه، والنفوس فيها ما هو من مقتضى طبيعتها، فالامتحان يمحّص المؤمن من ذلك الذي هو من موجِبات طبعه، كما قال تعالى:{وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}[آل عمران: ١٤١]، وقال:{وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ}[آل عمران: ١٥٤].