للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقضائه وقدره؛ فإن المحبة غير (١) المشيئة، والأمر غير (٢) الخلق.

ونظير هذا لفظ الأمر، فإنه نوعان: أمر تكوين، وأمر تشريع، والثاني قد يُعصى ويخالَف، بخلاف الأول، فقوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} [الإسراء: ١٦]، لا يناقض قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: ٢٨]، ولا حاجة إلى تكلّف تقدير: أمرنا مترفيها بالطاعة فعصونا وفسقوا فيها، بل الأمر ههنا أمر تكوين وتقدير لا أمر تشريع؛ لوجوه:

أحدها: أن المستعمل في مثل هذا التركيب أن يكون ما بعد الفاء هو المأمور به، كما تقول: أمرته فقام، وأمرته فأكل، كما لو صرح بلفظة "افعل"، كقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا} [البقرة: ٣٤]، وهذا كما تقول: دعوته فأقبل، قال تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٥٢].

الثاني: أن الأمر بالطاعة لا يختص بالمترفين، فلا يصح حمل الآية عليه، بل تسقط فائدة ذكر المترفين؛ فإن جميع المبعوث إليهم مأمورون بالطاعة، فلا يصح أن يكون أَمْر المترفين علة إهلاك جميعهم.

الثالث: أن هذا النسق العجيب، والتركيب البديع، مقتضٍ ترتب ما بعد الفاء على ما قبلها ترتب المسبَّب على سببه، والمعلول على علته. ألا ترى أن الفسق علة "حق القول عليهم"، و"حق القول عليهم" علة لتدميرهم،


(١) "م": "عين".
(٢) "د" "م": "عين" تصحيف، وجاءت على الصواب في "ج"، هذا والأشبه بسياق الجملة وما بعدها أن تكون: "والإرادة غير الخلق".