للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد اختُلِف في إعراب {مَنْ خَلَقَ} هل هو الرفع أو النصب؟

فإن كان مرفوعًا فهو استدلال على علمه بذلك بخلقه له، والتقدير: إنه يعلم ما تضمنته الصدور، وكيف لا يعلم الخالق ما خلقه. وهذا الاستدلال في غاية الظهور والصحة؛ فإن الخلق يستلزم حياة الخالق وقدرته وعلمه ومشيئته.

وإن كان منصوبًا فالمعنى: ألا يعلم مخلوقه، وذكر لفظة "مَنْ" تغليبًا؛ ليتناول العَلَم العاقل وصفاته.

وعلى التقديرين؛ فالآية دالةٌ على خلق ما في الصدور، كما هي دالة على علمه سبحانه به.

وأيضًا فإنه سبحانه خَلْقه لما في الصدور دليلًا (١) على علمه بها، فقال: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} أي: كيف يخفى عليه ما في الصدور وهو الذي خَلَقه، فلو كان ذلك غير مخلوق له بطل الاستدلال به على العلم، فخَلْقه سبحانه للشيء من أعظم الأدلة على علمه به، فإذا انتفى الخلق انتفى دليل العلم، فلم يبق معكم ما يدل على علمه بما تنطوي عليه الصدور إذا كان غير خالق لذلك.

وهذا من أعظم الكفر برب العالمين، وجَحْد لما اتفقت عليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وعُلِم بالضرورة أنهم ألقوه إلى الأمم كما ألقوا إليهم أنه إله واحد لا شريك له.


(١) كذا في الأصول بالنصب، والأشبه بالسياق الرفع، وفي الجملة شيء.