للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالكمال كل الكمال في العطاء والمنع، والخفض والرفع، والثواب والعقاب، والإكرام والإهانة، والإعزاز والإذلال، والتقديم والتأخير، والضر والنفع، وتخصيص هذا على هذا، وإيثار هذا على هذا، ولو فَعَل هذا كله بنوع واحد متماثل الأفراد لكان ذلك منافيًا لحكمته، وحكمته تأباه كل الإباء؛ فإنه لا يفرِّق بين متماثلَيْن، ولا يُسوِّي بين مختلفَيْن.

وقد عاب على من يفعل ذلك، وأنكر على من نسبه إليه، والقرآن مملوء من عيبه على من يفعل ذلك، فكيف يَجْعل له العبيدُ ما يكرهون، ويضربون له مَثَلَ السَّوْء!

وقد فطر الله عباده على إنكار ذلك من بعضهم على بعض، وطَعْنهم على من يفعله، وكيف يعيب الربّ سبحانه من عباده شيئًا ويتصف به! وهو سبحانه إنما عابه لأنه نقص، فهو أولى أن ينزَّه عنه.

وإذا كان لابدّ من ظهور آثار الأسماء والصفات، ولا يمكن ظهور آثارها إلا في المتقابلات والمتضادات= لم يكن بُدّ في الحكمة من إيجادها؛ إذ لو فُقِدت لتعطلت أحكام تلك الصفات، وهو محال.

يوضحه الوجه الثاني عشر: أن من أسمائه الأسماء المزدوجة: كالمعزّ المذل، والخافض الرافع، والقابض الباسط، والمعطي والمانع، ومن صفاته الصفات المتقابلة: كالرضا والسخط، والحب والبغض، والعفو والانتقام، وهذه صفات كمال، وإلا لم يتصف بها، ولم يتسَمَّ بأسمائها.

وإذا كانت صفات كمال: فإما أن يعطل مقتضاها وموجَبها، وذلك يستلزم تعطيلها في أنفسها، وإما أن تتعلق بغير محلها الذي يليق بأحكامها، وذلك نقص وعيب يتعالى عنه، فتعيّن تعلّقها بمحالها التي تليق بها.