للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معتمر من زمن إبراهيم عليه السلام، فتحققت العرب عناد قريش وعدوانهم، وكان ذلك داعية لبشر كثير إلى الإسلام، وزاد عناد القوم وطغيانهم، وذلك من أكبر العون على نفوسهم، وزاد صبر المؤمنين واحتمالهم والتزامهم بحكم الله وطاعة رسوله، وذلك من أعظم أسباب نصرهم، إلى غير ذلك من الأمور التي علمها الله سبحانه ولم يعلمها الصحابة، ولهذا سَمَّاه فتحًا، وسُئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أفتح هو؟ قال: "نعم" (١).

فصل

ويشبه هذا قول يوسف الصديق: {يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَد جَّعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِيَ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: ١٠٠]، فأخبر أنه يلطف لما يريده، فيأتي به بطرق خفية لا يعلمها الناس.

واسمه "اللطيف" يتضمن علمه بالأشياء الدقيقة وإيصاله الرحمة بالطرق الخفية، ومنه التلطف، كما قال أهل الكهف: {وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} [الكهف: ١٩]، فكان ظاهر ما امتحن به يوسف من مفارقة أبيه، وإلقائه في السجن (٢)، وبيعه رقيقًا، ثم مراودة التي هو في بيتها له عن نفسه، وكذبها عليه، وسجنه = محنًا ومصائب، وباطنها نعمًا ومنحًا، جعلها الله سببًا لسعادته في الدنيا والآخرة.


(١) أخرجه بتمامه البخاري (٣١٨٢)، ومسلم (١٧٨٥) من حديث سهل بن حنيف.
(٢) "م": "وإلقائه الجب في السجن" سبق قلم، والمثبت من "د".