للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الأصل الفاسد مما رده عليهم سائر العقلاء، وقالوا: قياس أفعال الربّ على أفعال العباد من أفسد القياس، وكذلك قياس حكمته على حكمتهم، وصفاته على صفاتهم.

ومن المعلوم أن الربّ تعالى علم أن عباده يقع منهم الكفر والظلم والفسوق، وكان قادرًا على أن لا يوجدهم، وأن يوجدهم كلهم أمة واحدة على ما يحبّ ويرضى، وأن يحول بينهم وبين بَغْي بعضهم على بعض، ولكن حكمته البالغة أبت ذلك، واقتضت إيجادهم على الوجه الذي هم عليه.

وهو سبحانه خلق النفوس أصنافًا: فصنف منها مريد للخير وحده ــ وهي نفوس الملائكة ــ، وصنف مريد للشر وحده ــ وهي نفوس الشياطين ــ، وصنف فيه إرادة النوعين ــ وهي النفوس البشرية ــ.

فالأولى: الخير لهم طباع، وهي محمودة عليه، والشر للنفوس الثانية طباع، وهي مذمومة عليه، والصنف الثالث بحسب الغالب عليه من الوصفين: فمن غَلَب عليه وصف الخير التحق بالصنف الأول، ومن غَلَب عليه وصف الشر التحق بالصنف الثالث (١)، فإذا اقتضت الحكمة وجود هذا الصنف الثالث فأنْ تقتضيَ وجود الثاني أولى وأحرى.

والرب تعالى اقتضت قدرته وعزته وحكمته إيجاد المتقابلات في الذوات والصفات والأفعال كما تقدم، وقد نوّع خلقه تنويعًا دالًّا على كمال


(١) كذا في الأصول: «الثالث» لعله سهو من المؤلف، صوابه: «الثاني» كما هو ظاهر من السياق.