للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودلّ الدليل على استحالة مفعول واحد بالعين بين فاعلَيْن مستقلَّيْن، وأثر واحد بين مؤثِّرَيْن فيه على سبيل الاستقلال.

ودلّ الدليل أيضًا على استحالة وقوع حادث لا مُحدِث له، ورجحان راجح لا مُرجِّح له.

وهذه أمور ركّبها الله سبحانه في العقول، وحجج العقل لا تتناقض ولا تتعارض، ولا يجوز أن يضرب بعضها ببعض، بل يقال بها كلّها، ويُذهب إلى موجَبها؛ فإنها يصدّق بعضها بعضًا، وإنما يعارض بينها (١) من ضعفت بصيرته، وإن كثر كلامه، وكثرت شكوكه، فالعلم أمر آخر وراء الشكوك والإشكالات، وإبداء (٢) تناقض الخصوم، وهذا رأس مال المتكلمين.

والقول الحق لم ينحصر في هذه الأقوال التي حكوها في المسألة.

والصواب أن يقال: تقع الحركة بقدرة العبد وإرادته التي جعلها الله فيه، فالله سبحانه إذا أراد فِعْل العبد خَلَق له القدرة والداعي إلى فعله، فيضاف الفِعْل إلى قدرة العبد إضافة المسبَّب إلى سبَبه (٣)، ويضاف إلى قدرة الرب إضافة المخلوق إلى الخالق، فلا يمتنع وقوع مقدور بين قادرَيْن قدرة أحدهما أثر لقدرة الآخر، وهي جزء سبب، وقدرة القادر الآخر مستقلة بالتأثير.

والتعبير عن هذا المعنى بمقدور بين قادرَيْن تعبير فاسد وتلبيس؛ فإنه


(١) "م": "بها"، "ج": "بينهما".
(٢) "ج": "ولهذا".
(٣) "ج": "السبب إلى مسبّبه"، وهي مجوّدة بالشكل في "د".