للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبحانه قد أثبت الجهالة لمن عمل السوء وقد أقرّ به وبرسالته، وبأنه حرّم ذلك، وتوعّد عليه بالعقاب، ومع ذلك فَحَكَم عليه بالجهالة التي لأجلها عمل السوء، فكيف بمن أشرك به، وكفر بآياته، وعادى رسله، أليس ذلك أجهل الجاهلين؟!

وقد سمّى تعالى أعداءه جاهلين بعد إقامة الحجة عليهم، فقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩]، فأمره بالإعراض عنهم بعد أن أقام عليهم الحجة (١)، وعلموا أنه صادق.

وقال تعالى: {خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (٦٣)} [الفرقان: ٦٣]، فالجاهلون هنا الكفار الذين علموا أنه رسول الله.

فهذا العلم لا ينافي الحكم على صاحبه بالجهل، بل يُثبِت له العلم، ويَنفي عنه في موضع واحد، كما قال تعالى عن السحرة من اليهود: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٠٢]، فأثبت لهم العلم الذي تقوم به عليهم الحجة، ونفى عنهم العلم النافع الموجِب لترك المضار.

وهذا نكتة المسألة وسرّ الجواب، فما دخل النار إلا عالم، ولا دخلها إلا جاهل.

وهذا العلم يجتمع (٢) مع الجهل في الرجل الواحد، يوضحه: أن الهوى والغفلة والإعراض تصدّ عن كماله واستحضاره ومعرفة موجبه على


(١) «د»: «بعد إقامة الحجة عليهم».
(٢) «م»: «لا يجتمع»، وحذفها أشبه بما يليها من تقرير.