للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التفصيل، وتقيم لصاحبه شبهًا وتأويلات تعارضه، فلا يزال المقتضي يضعف والمعارض يعمل عمله حتى كأنه لم يكن، ويصير صاحبه بمنزلة الجاهل من كل وجه.

فلو علم إبليس أنّ تركه السجود لآدم يبلغ به ما بلغ، وأنه يوجب له أعظم العقوبة، وتيقن ذلك؛ لم يتركه، ولكن حال الله بينه وبين هذا العلم ليقضي أمره، وينفذ قضاءه وقدره.

ولو ظنَّ آدم وحواء أنهما إذا أكلا من الشجرة خرجا من الجنة، وجرى عليهما ما جرى؛ ما قرباها.

ولو علم أعداء الرسل تفاصيل ما جرى عليهم، وما يصيبهم يوم القيامة وجزموا بذلك؛ لما عادوهم.

قال تعالى عن قوم لوط: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} [القمر: ٣٦]. وقال تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ: ٥٤]. وقال عن المنافقين وقد شاهدوا آيات الرسول وبراهين صدقه عيانًا: {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: ٤٥]، وقال: {أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ} [الحديد: ١٤]، وقال: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة: ١٠]، وهو مرض الشك.

ولو كان هذا لعدم العلم الذي تقوم به الحجة عليهم لما كانوا في الدرك الأسفل من النار، بل هذا بعد قيام الحجة عليهم (١) وعلمهم الذي لم


(١) من قوله: «لما كانوا في الدرك» إلى هنا ساقط من «م».