للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيكون كِسَفًا متفرقة، فيؤلف بينه ثانيًا فيصير طبقًا واحدًا، ثم يَلْقحه ثالثًا (١) كما يَلْقح الفحل الأنثى، فيحمل الماء كما تحمل الأنثى من لقاح الفحل، ثم يسوقه رابعًا إلى أحوج الأماكن والحيوان إليه، ثم يعصره خامسًا حتى يخرج ماؤه، ثم يذرو ماءه بعد عصره سادسًا حتى لا يسقط جملة فيهلك ما يقع عليه، ثم يربي النبات سابعًا، فيكون له بمنزلة الماء والغذاء، ثم يجففه بحرارته ثامنًا لئلا يعفن، ولا يمكن بقاؤه، ولهذا اقتضت الحكمة الباهرة أن تكون الرياح مختلفة المهاب والصفات والطبائع.

فَزَعَم نفاة الحكمة أن هذا كله أمر اتفاقي لا بسبب ولا غاية (٢).

وهذا باب لو تتبعناه لجاء عدة أسفار، بل لو تتبعنا خِلْقة الإنسان وحده وما فيها من الحِكَم والغايات لعجزنا نحن وأهل الأرض عن الإحاطة بتفصيل ذلك، فلنرجع إلى جواب نفاة الحكمة والتعليل.

فنقول في الوجه الرابع والعشرين: قولهم: «أيّ حكمة في خلق إبليس وجنوده؟» ففي ذلك من الحِكَم ما لا يحيط بتفصيله إلا الله.

فمنها: أن يكمل لأنبيائه وأوليائه مراتب العبودية بمجاهدة عدو الله وحزبه، ومخالفته ومراغمته في الله، وإغاظته وإغاظة أوليائه، والاستعاذة به منه، واللجَأ إليه أن يعيذهم من شره وكيده، فيترتب لهم على ذلك من المصالح الدنيوية والأخروية ما لم يحصل بدونه، وقد قدمنا أن الموقوف على الشيء لا يحصل بدونه.


(١) «م»: «بالنار» تحريف، وانظر: «مفتاح دار السعادة» (٢/ ٦٣٧).
(٢) انظر: «مفتاح دار السعادة» (١/ ٦١٦ - ٦١٨).