للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعلوم قطعًا أن البيان والدلالة قد تحصل له ولا تنفى عنه، وكذلك قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُهْدَى مَنْ يُضِلُّ} [النحل: ٣٧]، لا يصح حمله على هداية الدعوة والبيان، فإن هذا يُهدى ــ وإن أضله الله ــ بالدعوة والبيان.

وكذا قوله: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية: ٢٣]، هل يجوز حمله على معنى: فمن يدعوه إلى الهدى، ويبين له (١) ما تقوم به حجة الله عليه، وكيف يصنع هؤلاء بالنصوص التي فيها أنه سبحانه هو الذي أضلهم، أيجوز لهم حملها على أنه دعاهم إلى الضلال؟!

فإن قالوا: ليس ذلك معناها، وإنما معناها ألفاهم ووجدهم كذلك، أو أعلم ملائكته ورسله بضلالهم، أو جعل على قلوبهم علامة تعرف الملائكة بها أنهم ضُلّال.

قيل: هذا (٢) من جنس قولكم: إن هُداه سبحانه وإضلالهم بتسميتهم مهتدين وضالين.

فهذه أربع تحريفات لكم، وهي: أنه سمّاهم بذلك، وعلَّمهم بعلامة تعرفهم بها الملائكة، وأخبر عنهم بذلك، ووجدهم كذلك.

فالإخبار من جنس التسمية، وقد بينا أن اللغة لا تحتمل ذلك، وأن النصوص إذا تأملها المتأمل وجدها أبعد شيء عن هذا المعنى.


(١) من هنا يبدأ خرم لوح كامل في "م"، وستأتي نهايته.
(٢) "هذا" سقطت من "د" "ج"، واستدركت من "ت".