للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا تصحّ تلك الأقوال إلا باختلاف مفسّر الضميرين، والظاهر اتحاده، فالذي لا يؤمنون به هو الذي سلكه في قلوبهم وهو القرآن.

فإن قيل: فما معنى سَلْكه إيّاه في قلوبهم وهم ينكرونه؟

قيل: سَلْكه في قلوبهم بهذه الحال، أي: سلكناه غير مؤمنين به، فدخل في قلوبهم مكذَّبًا به، كما دخل في قلوب المؤمنين مصدَّقًا به، وهذا مراد من قال: إنّ الذي سَلَكه في قلوبهم هو التكذيب والضلال، ولكن فَسَّر الآية بالمعنى، فإنه إذا دخل في قلوبهم مكذبين به، فقد دخل التكذيب والضلال في قلوبهم.

فإن قيل: فما معنى إدخاله في قلوبهم وهم لا يؤمنون به؟

قيل: لتقوم عليهم بذلك حجة الله، فدخل في قلوبهم وعلموا أنه حق وكذبوا به، فلم يدخل في قلوبهم دخول مُصدَّق به مؤمن به مرضي به، وتكذيبهم به بعد دخوله في قلوبهم أعظم كفرًا من تكذيبهم به قبل أن يدخل في قلوبهم؛ فإن المكذب بالحق بعد معرفته له شر من المكذب به ولم يعرفه، فتأمله فإنه من فقه التفسير، والله الموفق للصواب.

فصل

ومن ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم: ٨٣]، فالإرسال ههنا إرسال كوني قدري، كإرسال الرياح، وليس بإرسال ديني شرعي، فهو إرسال تسليط، بخلاف قوله في المؤمنين: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: ٤٢]، فهذا السلطان المنفي عنه على المؤمنين، هو الذي أرسل به جنده على الكافرين.

قال أبو إسحاق: "ومعنى الإرسال ههنا التسليط، تقول: قد أرسلت